ما وراء تصعيد “داعش” في العراق

 

على الرغم من الضربات القاسية التي تعرض لها تنظيم “داعش” خلال وبعد سيطرته على أجزاء واسعة من العراق وسوريا بين عامي 2014 و2019، لا يزال يشكل تهديدا لأمن البلدين واستقرارهما.

ولا يزال التنظيم يمتلك شكلا من أشكال حرية الحركة والتنقل عبر الحدود العراقية مع سوريا، في مناطق صحراوية بمحافظتي الأنبار (غرب) ونينوى (شمال)، من منطقة شمال نهر الفرات في قضاء القائم بالأنبار وصولا إلى سلسلة جبال بادوش غربي نينوى.

وسجل “داعش” حضورا في مناطق قضاء الرطبة القريبة من المثلث الحدودي العراقي الأردني السوري، وجنوبا في مناطق قريبة من الحدود السعودية مع محافظتي الأنبار وكربلاء (جنوب).

وفي حزام بغداد، نفذ التنظيم هجمات شمال العاصمة، وصولا إلى قضاء سامراء بمحافظة صلاح الدين (شمال)، في دلالة على وجود مجموعات صغيرة تابعة له في هذه المنطقة بكثرة المسطحات المائية والبساتين والطرق الزراعية، التي تسهل عملية انتقال المسلحين وتنقلهم بعيدا عن رصد الأجهزة الأمنية وفصائل “الحشد الشعبي” المنتشرة بكثافة، خاصة في محيط مدينتي سامراء وبلد.

وإلى الشمال من محافظة صلاح الدين، يجد التنظيم بيئة جغرافية ملائمة لتوفير ملاذات “شبه آمنة” لإقامة مسلحيه، والانطلاق منها لتنفيذ هجمات، خاصة في صحراء قضاء بيجي وصولا إلى صحراء الأنبار.

وكذلك توفر سلسلة جبال حمرين جنوب غرب كركوك (شمال) ملاذات آمنة كليا للانطلاق منها لتنفيذ هجمات في محيط كركوك، التي تعد أيضا مناطق تمركز للتنظيم، حيث تمتاز بطبيعة جغرافية وعرة وهشاشة أمنية ناتجة عن غياب التنسيق الأمني بين حكومتي بغداد وأربيل (شمال).

وينشط “داعش” أيضا في المناطق المتنازع على عائداتها بين حكومتي بغداد وأربيل، حيث تشهد هذه المناطق هشاشة أمنية بغياب التنسيق بين الحكومتين والسيطرة على الملف الأمني في تلك المناطق.

ويعتمد التنظيم في ديمومة وجوده على مواصلة التجنيد في صفوفه وضمان الإمدادات المالية.

وتشير تقارير غربية إلى صعوبات جدية يواجهها التنظيم في تجنيد المزيد من العناصر في العراق، وبشكل أقل في سوريا، بينما لا يزال يمتلك القدرة على التمويل المالي عبر عمليات ابتزاز لشبكات تهريب النفط شرقي سوريا، والاختطاف مقابل فدية مالية، والاستثمار في شركات الصيرفة وشركات أخرى تمارس أعمالا تجارية اعتيادية.

وتقدر الإمكانيات المالية المتاحة أمام “داعش” بنحو 100 مليون دولار، وفق أحدث تقرير للأمم المتحدة.

وفي سياق جهد التنظيم لإعادة تأهيل بنيته التحتية بعد خسارته آخر معاقله شرقي سوريا، في مارس/آذار 2019، قدّر تقرير للأمم المتحدة صدر أوائل هذا الشهر، وجود ما لا يقل عن عشرة الآف مسلح معظمهم يتواجدون في العراق، ولهم القدرة على شن هجمات في المناطق التي تشهد نزاعات بشكل أكبر من المناطق المستقرة.

ومع وصول جو بايدن إلى البيت الأبيض، في 20 يناير/كانون الثاني الماضي، شهدت ساحات الصراع في المنطقة تصعيدا غير مسبوق، تمثل في زيادة عدد الهجمات التي يشنها “داعش” في كل من سوريا والعراق، وعمليات أخرى لمجموعات شيعية مسلحة حليفة لإيران، استهدفت مصالح وقواعد أمريكية في العراق.

وتسعى إدارة بايدن إلى تخفيف حدة التوترات في المنطقة عموما، وتحييد إيران والمجموعات الحليفة لها عن استهداف المصالح الأمريكية، من خلال سياسة أكثر لينًا مع إيران، عبر وقف الدعم العسكري للسعودية في حربها باليمن.

وكذلك عبر تخفيف العقوبات على جماعة “أنصار الله” (الحوثي) حليفة إيران في اليمن، ورفعها من لائحة المنظمات الإرهابية الأجنبية، بالإضافة إلى دعوات للحوار مع طهران حول الملف النووي والصواريخ البالستية.

ولا تبدي الإدارة الأمريكية الجديدة اهتماما كافيا حتى الآن بتهديدات “داعش” وتصاعد وتيرة هجماته.

خلال ثلاثة أعوام من خسارته آخر معاقله الحضرية في العراق نهاية 2017، نفذ التنظيم المزيد من الهجمات على مواقع عسكرية للقوات الأمنية ومعسكرات للحشد الشعبي والبنية التحتية لإمدادات الطاقة الكهربائية والمتعاونين مع القوات الأمنية.

وبلغت هجماته ذروتها، في 21 يناير/كانون الثاني الماضي، عندما فجر انتحاريان نفسيهما في تجمع للعمال وبائعي الملابس بمنطقة ساحة الطيران وسط بغداد، ما أسقط 32 قتيلا ونحو 80 جريحا.

وقبل هذا الهجوم، لم تشهد العاصمة نشاطات ملحوظة للتنظيم منذ يناير 2018، حين وقع هجوم انتحاري في المنطقة نفسها، وأسفر عن مقتل العشرات أيضا.

واستهدف “داعش” أبراج نقل الطاقة الكهربائية في أماكن متفرقة من العراق، منها في الأنبار وديالى (شرق) على مقربة من الحدود مع إيران، لحرمان العراق من إمدادات الكهرباء الإيرانية، بالإضافة إلى استهداف مماثل في منطقة جرف الصخر الخاضعة لسيطرة شبه مطلقة لفصائل الحشد الشعبي الحليفة لإيران.

وردا على تفجيري بغداد، نفذت الحكومة الإعدام بحق مئات من المحكومين بتهم الإرهاب والجرائم الجنائية، استجابة لدعوات بـ “الانتقام” بعد إعلان “داعش” مسؤوليته عن التفجيرين.

وفي 27 يناير الماضي، قتلت عملية جوية وبرية عراقية، بإسناد من التحالف الدولي بقيادة الولايات المتحدة، “والي العراق” في “داعش”، جبار سلمان علي فرحان العيساوي، المعروف باسم “أبو ياسر العيساوي”، وعددا من مسلحي التنظيم، بالإضافة إلى تدمير مخابئ التنظيم في “وادي الشاي” قرب كركوك، وهي من المناطق المتنازع عليها، وفق الدستور العراقي.

ونفذت قوات التحالف الدولي نحو 34 ضربة جوية استهدفت التنظيم في سوريا والعراق، خلال نوفمبر/تشرين الثاني الماضي، بزيادة طفيفة عن ضربات التحالف في الشهر السابق.

وأعلنت قوات التحالف تنفيذ 82 عملية في سوريا والعراق، خلال يناير الماضي، بالتنسيق مع القوات الشريكة لها على الأرض.

وفي سلسلة عمليات نفذتها وحدات من الجيش العراقي، بالتنسيق مع القوات الأمنية وفصائل الحشد الشعبي وبإسناد جوي من التحالف الدولي، نجحت تلك القوات في تدمير عشرات الأنفاق التي يستخدمها “داعش” في الأنبار وصلاح الدين ونينوى وكركوك، وقتل العشرات من عناصر وقيادات التنظيم، منذ انتهاء العمليات القتالية الكبرى، أواخر ديسمبر/كانون الأول 2017.

وتهدف قوات التحالف، التي قللت من عدد جنودها جراء جائحة “كورونا”، إلى الإبقاء على “داعش” في مستوى قتالي يمكن للقوات الأمنية العراقية التعامل معه ومنع تهديداته بأقل قدر من المساعدات.

ومنذ خسارته آخر مناطق سيطرته في الباغوز شرقي سوريا، قرب الحدود العراقية، في 2019، تبنى “داعش” استراتيجية “إعادة بناء” شبكاته على شكل “مجموعات متنقلة” في مناطق متفرقة جغرافيا.

هو يحاول على المدى القريب ربط تلك المجموعات ببعضها البعض، بما يتيح لقادة التنظيم التهيئة لمزيد من الهجمات “العنيفة” التي قد تتعدى أهدافها قتل عناصر القوات الأمنية أو الحشدين الشعبي والعشائري إلى مواصلة استنزاف القدرات القتالية والمالية لهذه القوات وإضعافها إلى الحد الذي يسمح للتنظيم بإعادة فرض السيطرة على جغرافيات حيوية لديمومة التنظيم وتوفير ملاذات آمنة لمسلحيه.

رائد حامد وكالة الأناضول

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *