البكالوريا في تونس: رحلة من الاستعمار إلى التحديث والإصلاحات

هذه نبذة تاريخية عن البكالوريا في تونس وهي تستعد لتطوي سنتها الـ133. ففي تونس، تم اجتياز أول امتحان البكالوريا سنة 1891، أي 10 سنوات بعد دخول الاستعمار الفرنسي، واستمر الحال كما هو عليه إلى غاية سنة 1956، حيث كان عدد التلاميذ التونسيين أو المسلمين المجتازين لامتحان البكالوريا يعدون على رؤوس الأصابع، إذ لم يتجاوز عدد الناجحين 123 فيما بين 1891 و1918، وفي سنة 1927 لم ينجح إلا 27 تلميذا، وفي سنة 1938، بلغ عدد الناجحين 58.

وفي يوم 31 ماي 1957، تم إجراء أول امتحان لشهادة البكالوريا في نسختها التونسية، شارك فيه 1900 مترشح منهم 1400 من ولاية تونس وحدها والبقية موزعون على بقية الولايات، وقد ناهزت نسبة النجاح 30 بالمائة، حيث تمكن حوالي 600 مترشح من الحصول على الشهادة، وتحصل 50 منهم على ملاحظة “حسن جدا”.

كانت الامتحانات تجرى في دورتين أو ما كان يسمى آنذاك بالجزء الأول في نهاية السنة الخامسة من التعليم الثانوي والجزء الثاني في نهاية السنة السادسة من التعليم الثانوي، ويخوض الناجحون في الاختبارات الكتابية اختبارات شفاهية في جميع المواد العلمية والأدبية. وعلى إثر التمديد في مسلك التعليم الثانوي من 6 إلى 7 سنوات، أصبحت البكالوريا تجرى في نسخة واحدة مع المحافظة على الاختبارات الشفاهية بالنسبة للناجحين في الكتابي الذين يتم تجميعهم في ثلاثة مراكز كبرى بتونس وسوسة وصفاقس، قبل أن يقع إلغاء الشفاهي سنة 1976 وتوحيد الشهادة بعد أن كانت منقسمة إلى بكالوريا فرنسية وبكالوريا عربية.

تم إدخال عديد التعديلات على امتحان البكالوريا، فبعد أن كانت تقام في دورتين: الأولى في شهر جوان والثانية في شهر سبتمبر، حيث يجتاز المؤجلون جميع المواد، تم تعويض الدورة الثانية بدورة تدارك تُجرى اختباراتها أيام قليلة بعد إعلان نتائج الدورة الأولى، ويختبر المترشحون أساسًا في المواد التي لم يحصلوا فيها على المعدل. كما تنوعت اختصاصاتها لتصبح على ما هي عليه الآن منقسمة إلى 7 اختصاصات: رياضيات، علوم تجريبية، تكنولوجيا، اقتصاد، إعلامية، آداب ورياضة.

وشهدت سنة 2002 الشروع في احتساب نسبة 25 بالمائة من المعدلات السنوية للمترشحين، مما ساهم حسب عديد المختصين في ارتفاع نسب النجاح والتقليص من قيمة هذه الشهادة حتى أن بعض الدول أصبحت تخضع حامل البكالوريا التونسية إلى تقييم إضافي قبل قبوله في إحدى مؤسساتها الجامعية. وتطورت نسب النجاح في امتحان البكالوريا إلى حد أنها تجاوزت في بعض السنوات 70 بالمائة. وكان للفتيات دوما النصيب الأكبر سواء في نسب النجاح أو في عدد المتفوقين. وللتذكير فإن سنة 2010 شهدت لأول مرة في تاريخ البكالوريا التونسية حصول فتاة من المعهد النموذجي بأريانة على معدل 20 من 20 وهو رقم قياسي يصعب معادلته.

كانت النتائج تعلن بواسطة الصحف اليومية وعن طريق الإذاعة الوطنية وفي مراكز الامتحان، قبل أن تدخل وسائل الاتصال الحديثة على الخط (الإرساليات القصيرة والإنترنت) لتعوّض هذه الطرق التقليدية التي تضفي نكهة خاصة على عملية الإعلان عن النتائج.

وللتذكير فإن النظام التربوي التونسي شهد ثلاثة إصلاحات كبرى: الأول كان على يد المرحوم محمود المسعدي وتوج بقانون 4 نوفمبر 1958، والثاني على يد المرحوم محمد الشرفي من خلال قانون جويلية 1991، والثالث كان مع منصر الرويسي في جويلية 2002.

المرجع: مجلة الحصري الإلكترونية