قصة السلاجقة من البداية للنهاية

قصة السلاجقة من البداية للنهاية، قبيلة تحولت لإمبراطورية حلفاء العباسيين ثم أعدائهم رغم أن العباسيين تزوجوا منهم،
صعودهم وقوتهم وضعفهم وإنقسامهم ونهايتهم

ظهر اسم السلاجقة على الساحة العالمية فجأة، حيث كانوا في البداية مجرد قبيلة ولكنهم تحولوا سريعا لإمبراطورية شاسعة ثم تفككت لدول وانتهت كل دولة بشكل مختلف.


بداية وأصل السلاجقة


في حوالي عام 985 م كان سلجوق بن دقاق شيخ احدى القبائل التركية الغزية يقود قبيلته من بلاد كشغر -في الصين حاليا- ودخل بقبيلته إلى أراضي الدولة العباسية في منطقة حكم الغزنويين، وأسلم سلجوق وجميع من تبعه من رجال قبيلته، وصاروا تحت تبعية الغزنويين، وبعد وفاة سلجوق عام 1009م تولى الزعامة من بعده ابنه الأكبر إسرائيل، وأصبح للسلاجقة قوة عسكرية، فأدرك السلطان محمود الغزنوي خطرهم فقام بأسر زعيمهم إسرائيل.

تولى ميكائيل بن سلجوق زعامة السلاجقة، وأدرك قوة السلطان محمود الغزنوي فهادنه وطلب وده، وأخذ يجمع شتات قومه ويتحين الفرصة للانقضاض على أراضي الدولة الغزنوية، ولكنه قتل في إحدى غزواته، فتولى من بعده ابنه طغرل بك.


التحول من قبيلة إلى دولة


وجد زعيم القبيلة طغرل بك تأييدًا كبيرًا ومناصرة عظيمة من شعبه، فأعد جيشًا قويًا ووضع نصب عينيه هدفًا هو إقامة دولة للسلاجقة، وسرعان ما استغل فرصة وفاة محمود الغزنوي عام 1030م، وتراجعت قوة الغزنويين بعده بسبب التنافس على السلطة، فدخل معهم في معارك وحروب ليسيطر على مساحة ليقيم بها دولته ونجح في تأسيس دولته في عام 1037م واتخذ من مدينة نيسابور عاصمة له.

فزادت الحرب بين السلاجقة والغزنويين إلى أن أتى وفد من الخليفة الذي عقد الصلح بين الطرفين وحدد حدود الدولتين في عام 1040م، ليكون كل سلطان نائباً عن الخليفة العباسي في بلاده، ولتكون هذه أول مرة ينال فيها السلاجقة إعتراف العباسيين بشرعية حكمهم، وذلك بأمر من الخليفة العباسي عبد الله القائم بأمر الله.


التوسع وإنقاذ الخليفة العباسي


استطاع السلاجقة توسيع حدود دولتهم بسرعة هائلة، فسيطروا على كامل خراسان ومساحات واسعة من فارس وشمال العراق وأرمينية وآسيا الصغرى، ونقلوا عاصمتهم عام 1043م إلى المدينة المحمدية، ثم قاموا في عام 1051م بنقل عاصمتهم إلى مدينة أصفهان، وبهذا أصبح السلطان السلجوقي من أقرب الولاة للخليفة العباسي.

ولكن يعتبر الحدث الأهم هو ما حصل في عام 1058م، عندما قام البساسيري أحد ضباط الخليفة العباسي القائم بأمر الله بالإنقلاب على الخلافة العباسية، ونشر رايات دولة العبيديين أعداء العباسيين في العراق، فقام الخليفة العباسي بالإستنجاد بالسلاجقة، فزحف طغرل بك نحو العراق واستطاع أن ينقذ الخليفة العباسي ويقتل البساسيري في عام 1060م.

فأصبح السلطان السلجوقي ليس واليا فقط للخليفة العباسي بل أصبح وزيره أيضا، وتوسعت دولة السلاجقة لتضم العراق واجزاء من بلاد الشام، وكان السلطان السلجوقي يقبل الأرض امام الخليفة سبعة مرات عند الدخول لمجلسه.


المصاهرة بين العباسيين والسلاجقة


يعتبر السلاجقة أكثر اسرة ملكية تزوج منها العباسيون، ووصل الأمر بعدد من الخلفاء بأن يكون له زوجتين منهم، فتزوج منهم الخليفة القائم والمقتدي والمستظهر والمسترشد والراشد والمقتفي والناصر، وأما السلاجقة فتزوج طغرل بيك من ابنة الخليفة العباسي القائم ولكن الزواج لم يكتمل بسبب تراجع الخليفة القائم وبسبب وفاة طغرل بيك عام 1063م قبل حتى أن يرى ابنة الخليفة.


عهد ألب أرسلان


تولى السلطان ألب أرسلان الحكم بعد وفاة عمه طغرل بك، واستطاع أن يوسع حدود دولته وأن يسجل انتصارات ضد أعدائه في الداخل والخارج، ووسع حدود دولته في بلاد وراء النهر وسيطر على كامل بلاد الشام، وأما أهم إنتصاراته فهو الإنتصار في معركة ملاذكرد عام 1071م على الدولة البيزنطية، وكان ألب أرسلان يجل ويحترم الخليفة العباسي لدرجة أنه قبل معاركه كان يسأل عن جهة الخليفة لينحني له، وكان كلما يدخل لمجلس الخليفة العباسي يقبل الأرض امامه سبع مرات.

وعلى الرغم من أن الاناضول قد فتحت على مراحل من زمن مسلمة والرشيد والمأمون والمعتصم والمكتفي، ولكن ألب أرسلان أمر بنقل أعداد ضخمة من الأتراك ليسكنوا الأناضول فأصبح العرب والروم أقلية مع مرور الزمن، واستمر ألب أرسلان في الحكم إلى أن قتل في احدى معاركه في بلاد وراء النهر عام 1072م.


عهد ملكشاه والخلاف مع العباسيين


بعد وفاة السلطان ألب أرسلان خلفه في الحكم ابنه السلطان ملكشاه، وقد اتسعت الدولة السلجوقية في عهده لتبلغ أقصى امتداد لها، حيث وصلت من الصين شرقًا إلى بحر مرمرة غربًا، وذلك بمساعدة الوزير الفذ نظام الملك، ولكن في عهده حصل أول خلاف بين العباسيين والسلاجقة، حيث قام السلطان السلجوقي ملكشاه بإتهام الخليفة العباسي المقتدي بأنه يعامل ابنته معاملة سيئة، وكذلك بسبب رفض الخليفة العباسي أن يعين ابنه من ابنة ملكشاه وليا لعهده، فعادت ابنة ملكشاه لأبيها في اصفهان وماتت بعد فترة، فحقد ملكشاه على الخليفة العباسي وطلب من الخليفة أن يترك بغداد خلال شهر، ولكن ملكشاه مات قبل نهاية الشهر في عام 1092م، وهنالك رواية تقول بأن الخليفة كان وراء موته، وهناك رواية أخرى تقول بأن وفاته كانت بسبب وباء إنتشر في أصفهان.


تفكك السلاجقة وضعفهم


بعد وفاة ملكشاه تولى الحكم ابنه الطفل محمود، وتفككت الدولة، حيث سيطر قلج شاه الأول على الأناضول وسيطر عمه تتش بن ألب أرسلان على بلاد الشام، وسيطر أحمد سنجر على خرسان ولاحقا أعلن أنه هو سلطان السلاجقة ودخل في حرب مع البقية، وفي عام 1094م سيطر بركياروق بن ملكشاه على الحكم، وزاد ضعف الدولة وتفككها نتيجة الصراع على الحكم، وتوفي في عام 1105م، وتولى سلسلة من السلاطين الضعفاء وهم الطفل ملكشاه ثم غياث الدين محمد ثم مغيث الدين محمود الذي توفي في عام 1130م، وتبع موته حرباً أهلية بين إبنه داود وأخيه مسعود.


نهاية السلاجقة


وأما نهايتهم في العراق فكانت عندما بدأ الخليفة العباسي المسترشد حربا ضدهم فأخرجهم من العراق ثم استكمل الحرب الخليفة الراشد ثم نجح الخليفة العباسي المقتفي في إخراجهم من العراق بشكل نهائي في عام 1152م.

وأما نهايتهم في بلاد فارس وخرسان وما وراء النهر فحدثت عندما تحالف الخليفة العباسي الناصر والسلطان الخوارزمي علاء الدين تكش ضد السلاجقة، وفي 19 مارس 1194، لقي السلطان السلجوقي طغرل بك الثالث الهزيمة على يد علاء الدين تكش وقُتل قرب المدينة المحمدية، وأُرسل رأسه إلى الخليفة العباسي أحمد الناصر لدين الله في بغداد، وسيطر الخليفة العباسي بشكل مباشر على فارس وسيطر الخوارزميين على خرسان خطبوا للخليفة العباسي فيها.

وأما نهايتهم في بلاد الشام فكانت بخلع السلطان سلطان بن رضوان السلجوقي عام 1118م، وبدأ ظهور دول متفرقة في المدن ثم نجح الزنكيون بقيادة عماد الدين زنكي ثم نور الدين زنكي بتوحيد بلاد الشام تحت قيادتهم.

وأما نهايتهم في كرمان -جنوب شرق إيران حاليا- فكانت في عام 1185م عندما قام الغزنويين بخلع آخر سلطان سلجوقي كرماني وهو محمد بن بهرام السلجوقي.

وأما سلاجقة الروم في الأناضول فأصبحوا أتباع المغول بعد سقوط بغداد عام 1258م، وكان آخر سلاطينهم غِيَاث الدين مسعود بن كيكاوس الذي حكم حتَّى عام 1303م حينما أُصيب بِالفالج، فعجز عن النُطق واللمس والحركة، وبقي طيلة سنة يُعاني من الآلام إلى أن مات، وانقسمت دولته إلى عشر إماراتٍ تُركُمانيَّةٍ هي: القرمانيَّة وتكَّة والحميديَّة والكرميانيَّة وقزل أحمدلي ومنتشا وآيدين وصاروخان وقرەسي والعثمانية، ونجح العثمانيون لاحقا في السيطرة على باقي الإمارات وتوحيد الأناضول تحت حكمهم.

***** المصادر:

1) تاريخ طبرستان، بن اسفنديار
2) وفيات الأعيان، ابن خلكان
3) تاريخ سلاجقة الروم، محمد سهيل طقوش
4) اخبار الدولة السلجوقية، صدر الدين الحسيني
5) تاريخ البيهقي، البيهقي

*****************
كتب بقلم:
المؤرخ تامر الزغاري
*****************