دبلوماسية لقاح كوفيد

روسيا ، الصين و  الولايات المتحدة و دبلوماسية اللقاحات

يقع اللقاح ضد فيروس «كورونا» في قلب معركة على النفوذ بين الدول الكبرى، تتصدرها الصين وروسيا.
ويرى مركز «سوفان» للتحليل الأمريكي أن «الحصول على اللقاحات بات التحدي الأكثر إلحاحاً للأسرة الدولية. أصبح بطريقة ما سباقاً جديداً على التسلح». بالنسبة إلى الصين وروسيا والهند تأمين هذا «المنتج العام العالمي» الذي لا يزال نادراً، للدول الفقيرة، أصبح مرادفاً للهيبة، في حين تخصصه الولايات المتحدة الرازحة تحت عبء الجائحة لسكانها، والأوروبيون يصلون في مراتب متأخرة في هذا المضمار.
وبكين التي كانت في الخط الأول لتوزيع الكمامات لدى بدء تفشي الجائحة، تكثف الإعلان عن تسليم الجرعات بما في ذلك على شكل هبات

و بين برتران بادي الأستاذ في العلاقات الدولية في معهد العلوم السياسية بباريس في تصريح لوكالة فرانس بريس  : « أن الصين نجحت في أن تطرح نفسها بطلة دول الجنوب في الوقت الذي يظهر فيه الشمال أنانية تامة». وتأتي روسيا في المرتبة الثانية مع لقاح «سبوتنيك-في»، الذي لم يلق في البداية ترحيباً أوروبياً؛ لكنه الآن نال تقييماً جيداً في مجلة «لانسيت» الطبية.
واختارت ثلاث دول في الاتحاد الأوروبي على الأقل هي المجر وسلوفاكيا وجمهورية تشيكيا اللقاح الروسي من دون حتى انتظار موافقة الوكالة الأوروبية للأدوية، في حين تشهد أوروبا تأخيراً كبيراً في تلقي الجرعات.

كتب إيشان ثارور تقريراً في صحيفة  الواشنطن بوست الأميركية قال فيه إنه منذ وقت ليس ببعيد، أثار الحديث عن لقاح روسي الصنع لفيروس كورونا السخرية في أميركا. فقد قال مسؤول في إدارة الرئيس الأميركي السابق دونالد ترامب لشبكة CNN في آب / أغسطس الماضي، في إشارة إلى التقارير الأولية حول تطوير روسيا لعقار “سبوتنيك 5” Sputnik V، الذي تجاوز الخطوات التقليدية في الاختبار قبل إطلاقه: “لا يمكن أن تجرّب الولايات المتحدة ذلك على القرود، ناهيك عن البشر.

وقد وافقت أكثر من اثني عشر دولة على استخدام اللقاح الروسي، ومن المرجح أن تتبعها دول أخرى ذلك الآن بعد حصوله على موافقة مجلة “لانسيت”. ويعتبر لقاح “سبوتنيك” أرخص بكثير من اللقاحات الغربية المنافسة ولا يتطلب نفس النوع من البنية التحتية للتخزين شديدة البرودة التي من شأنها أن تعقد توزيع لقاح فايزر في معظم العالم النامي.

وقال كيريل ديميترييف، الرئيس التنفيذي لصندوق الاستثمار المباشر الروسي الذي تديره الدولة، والذي يقف وراء تطوير “سبوتنيك5” وطرحه الدولي، لموقع “بلومبرغ نيوز”: “هذه لحظة فاصلة بالنسبة لنا”.

وقال ستيفن موريسون، مدير مركز سياسة الصحة العالمية في مركز الدراسات الاستراتيجية والدولية في واشنطن: قد يكون ذلك بمثابة انتصار نادر للقوة الناعمة للكرملين. إنه يظهر جودة وسلامة المؤسسة العلمية داخل روسيا، والتي يستخف بها الكثير من الناس أو يرفضونها باعتبارها متحللة وعفا عليها الزمن، وبسبب قلة التمويل، وأن الكثير من علمائهم قد فروا إلى المؤسسات الأغنى في أوروبا وأميركا الشمالية. يبدو أن هذا يناقض تلك الصورة النمطية.

وحذر الخبراء الذين تحدثوا إلى الصحيفة من أن هذا الإنجاز قد يكون شيئاً “غريباً” ولا يبشّر بنهضة علمية روسية. لكنه يأتي في أعقاب استراتيجية بحث وطنية كبرى نفذها الرئيس فلاديمير بوتين في السنوات الأخيرة، بما في ذلك الاستثمارات في الجامعات ومختبرات البحوث.

وبدأت ستة بلدان في أميركا اللاتينية، بدءاً من الأرجنتين، في توزيع اللقاح الروسي على مواطنيها. وقال هوغو لوبيز جاتيل، المتحدث الرئيسي باسم الحكومة المكسيكية لمكافحة الوباء، للصحافيين الأسبوع الماضي: إن “لقاح سبوتنيك5 الروسي آمن، وله فعالية بنسبة 92٪ ضد كوفيد، ويمكن استخدامه بأمان وفعال مع كبار السن. يتيح لنا الآن تسريع خطوة التطعيم ضد كوفيد في المكسيك”. وفي الشهر الماضي، أعلنت المكسيك عن شراء 24 مليون جرعة “سبوتنيك”.

وقال الكاتب إن الجائزة الكبرى قد تكون – على الأقل من الناحية الجيوسياسية – هي أوروبا. فبسبب نقص الإنتاج والفشل في المشتريات، فقد ضعفت جهود التطعيم في الاتحاد الأوروبي مقارنة بالولايات المتحدة وبريطانيا. وأعلنت المجر موافقتها على لقاح سبوتنيك 5 وتلقت 40 ألف جرعة من اللقاح. وقال رئيس الوزراء المجري فيكتور أوربان للإذاعة الحكومية الشهر الماضي “اللقاح لا يمكن أن يكون مسألة سياسية. يمكن للمرء فقط الاختيار بين اللقاحات الغربية والشرقية عندما يكون لديك ما يكفي”.

وقالت المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل الأسبوع الماضي إنها سترحب باللقاح الروسي داخل الاتحاد الأوروبي طالما حصل على موافقة منظمي الأدوية في الاتحاد.

و يبدو إن الانفتاح الأوروبي على اللقاح الروسي يقف في تناقض صارخ مع التوترات بين القوتين على الجبهات الأخرى.

ويضاف الى هذا الصراع الطبي أيضاً هناك مبادرة اللقاح الدولية المعروفة باسم «كوفاكس» التي ستعتمد بشكل رئيسي على لقاح «أسترازينيكا»، فسيكون موجهاً إلى الهند ونيجيريا وباكستان وبنغلاديش وتونس وفلسطين وإندونيسيا والبرازيل، ومعظم الدول الأفريقية بشكل أساسي.

وهناك اللقاح الكوبي الذي أُطلق عليه اسم «سوفرين 2»، وهو اللقاح الذي يجري به تلقيح سكان الجزيرة الكوبية بأكملهم، وتم إرسال مجاميع منه إلى إيطاليا وأفريقيا وكوبا التي لها سجل عظيم من الإنجازات الطبية السابقة، وتميزت بحُسن توظيف دبلوماسية اللقاح من قبل مع أفريقيا في مواجهتها مع فيروسي الإيدز وإيبولا، عندما قامت بإرسال الطواقم الطبية والمواد الصحية المختلفة بشكل مجاني نال الرضا والاستحسان من شعوب القارة السمراء، وعُدّ وقتها انتصاراً دبلوماسياً مهماً ومؤثراً للجزيرة الكاريبية الاشتراكية.
كوبا تطرح فكرة جذب السياح إلى شواطئها بمزيج لا يقاوَم من الشمس والرمل والحصول على جرعة من اللقاح المنتظَر. وقال فيسنتي فيريز، أحد العلماء الذين قادوا الفريق الذي طوّر اللقاح، إن الجزيرة يمكن أن تقدم التطعيمات لجميع الأجانب الذين يسافرون إليها.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *